إعادة تعريف السوشيال ميديا 2 - مدونة صلاح عبيد

إعادة تعريف السوشيال ميديا 2


 

السوشيال ميديا ٢

الخطر ألا تشعر بالخطر. لا اتذكر أين أو متى قرأت تلك العبارة ولكنها الأنسب من وجهة نظري. عن أي خطر اتحدث؟ مهلاً اهنالك اخطار متعددة؟

كنت أتمنى أن اقول “على حسب تعريفك للخطأ " ولكن دعنا من التفكير الزائد ولنكن موضوعيين ونتبعد عن تلك المقدمات الأدبية الفلسفية.

الخطر. حتى تستطيع أن تهزم شرور ومساوئ مواصل التواصل الاجتماعي يتحتم عليك أن تعرف ما الذي انت بصدد أن تواجهه. فتخيل معي-واعتذر لاستخدامي مخيلتك كثيرا في مقالاتي، اعتبره تمرين عقلي يا صديقي- أنك على وشك ان تهاجم وحشا. ليس بالضرورة ان يكون وحشا حقيقيا، تخيل انه في لعبة ما.

ذلك الوحش يعرف عنك حرفيا كل شيء ولكنك لا تعرف عنه اي شيء بل لا تراه اساسا فكيف لك ان تواجهه؟ لم اقل تهزمه لأنه من النستحيل ذلك بل مجرد مواجهة. أتقدر؟ ربما

تخيل معي ان ذلك الوحش حقيقيا فكيف لك بذلك؟ اصعب بكثير. ايوجد كلمة اكثر وقعا من المستحيل؟ لا اظن، وإن وُجدت لكانت.

كلمة وحش ركيكة بعض الشيء ولكنها تفي بالغرض حتى الان. يتفاجئ البعض عندما اخبرهم أن ذلك الوحش حقيقي، وله وجود على ارض الواقع فهو جهاز كمبيوتر خارق عملاق مزود بآخر التقنيات الحديثة، يعمل على مدار الساعة ويعرف عنك مالا تعرفه انت عن نفسك، فكيف لك ايها الانسان الضعيف ان تهزمه؟ اتواجهه؟ مستحيل. المواجهة ليست حلا.

كي نستطيع أن نرد ولو جزءًا بسيطا من الضرر الواقع بسبب ذلك المفكر الذي لا يهدأ له جفن، يجب علينا أن ندرسه جيدًا ونفهم نقاط قوته ونقاط ضعفه، ولكننا هنا لسنا في محاضرة لمناقشة مثل هذة المفاهيم المعقدة، وعلى الرغم أن فهمنا لتلك النقاط سيساعد كل المساعدة، إلا أنني سأترك لك تلك المهمة.

تأمل معي ما يأتي: قام انسان ما باختراع تقنية ما ليسهل على نفسه مهامه ويجعل حياته اليومية تمر بسلاسة ويرفع عن كاهله ولو جزء من شقاء اليوم، المهم، يمر الوقت وينشغل الانسان بتطوير تلك الاداة أكثر فأكثر فأكثر، حتى يأتي عليه وقت أصبح يترك مهامه اليومية وانصب تركيزه على استخدام تلك التقنية س، اسقاط ليس بالأفضل ﻷنك تعلم مسبقًا عمّا أتحدث، لكن تلك هي الحال. احساس سيء ان تصبح تلك الادوات مصدر الهاء وحزن.

بقراءتك للمقال السابق ووصولك لهذة النقطة، فأنت تدرك ولو جزءًا بسيطا من خطورة تلك المشكلة. هنيئًا لك! الان دعنا نبدأ في سرد ما نحن هنا له. الحقيقة أنني هنا لك أنت. نعم أنت. سأوضح لك أربعة مداخل قد تتسبب في استخدامك المفرط لوسائل التواصل تلك، أظن عندما نصل إلى جذور المشكلة تتضح لنا بشكل أفضل ويساعدنا ذلك في ايجاد خطوات لحلها. مرة أخرى، أنا لست هنا لعرض حلول، سأترك الحل لك، ﻷنه يختلف من شخص ﻵخر، وﻷنك تعرفه بالطبع.

من المحتمل ان تتعرض لمدخل واحد من تلك المداخل، أو ربما اثنين أو أكثر، وربما تتعرض لشيء آخر غير مذكور لكنه مرتبط بنقطة واحدة أو أكثر مما ستقرأه الان.

المدخل الأول: عدم امتلاء اليوم بنشاطات مثيرة، أو خلو اليوم من النشاطات أصلًا.

لو افترضنا أن الانسان بطبعه لديه التزامات عائلية، دراسية، عملية، علمية، ترفيهية، دينية، وأخرى حياتية بوجه عام، إذ الانسان منا ملأ يومه بتلك الالتزامات هل سيجد وقتًا ليضيعه باستخدام هاتفه؟ الجميل في أي التزام أنه يتطلب الاهتمام الكامل والانتباه له وذلك يصعب على أي شخص أو شيئ أن يسلب منك ذلك الانتباه.

لو أن ذلك الانسان رسم مخططا لحياته ومضى فيها ليحققه وأصبح منشغلا به، هل سيأتي على باله أن يتفقد ماذا قال فلان الفلاني عنه على أحد الفصحات؟

لو أن كل انسان منا وجد ما يلهيه ويشغله ويساعده على المضي في حياته للأمام وليس للخلف، فلن يجد الوقت ليضيعه ولو وجد الوقت سيستغله في اللعب أو زيارة أحد الأصدقاء أو حتى النوم!

يبحث الفرد منا دائما عن التميز والاثارة، فإن لم يجدها في واقعه فليس أمامه إلا أن يبحث عنها في واقع اخر.

المدخل الثاني: الاعتماد على الهاتف في انجاز معظم المهام اليومية

معرفة الوقت، النظرة الخاطفة على التقويم، أخذ بعض الملاحظات السريعة، استتخدام الالة الحاسبة، مشاهدة فيلم ما، استخدام الكاميرا، تفقد صندوق البريد (الايميل)،الاطلاع على اخر الاخبار، -ومؤخرًا بسبب ما نحن فيه من جائحة- حضور الاجتماعات والمحاضرات … الخ.

كل تلك المهام البريئة تتم من خلال منفذ واحد وهو هاتفك الذي بين يديك، لا مشكلة حتى الان، لكن ماذا تفعل وانت بصدد انجاز احد المهام السابق ذكرها؟ أليس من الممكن أن يلفت انتباهك لون احمر بسيط بجانب عصفور ازرق؟ لن ندخل في تفاصيل الخوارزميات المستخدمة في جذب الانتباه واجبارك على فتح ذلك التطبيق بذاته لكن فكر فيها: متى كانت اخر مرة امسكت بهاتفك ﻹنجاز شيء ما وفعلته مباشرة دون المرور بأحد محطات التواصل؟

المدخل الثالث: الصحبة أو ربما نقول الوحدة

أنا وأنت وكل البشر بطبعنا كائنات اجتماعية، نبحث عن الحب والاهتمام واشخاصٍ نتشارك معهم الاهتمامات. العلاقات البشرية معقدة جدا وما نعرفه عنها قليل لكنه يكفينا في سياقنا هذا. ماذا لو قلنا لشخص ما ليس لديه ما يكفيه من أصدقاء أن هنالك منصة تساعده على تكوين صداقات سهلة بسيطة وبدون أي تعقيدات، فأصدقاؤه الوهميون هؤلاء لن يروا ولن يعرفوا عنه إلا ما يسمح لهم به ان يعرفوه أو ما يكتبه عن نفسه. عرض مذهل لا خسارة فيه.

ماذا تفعل مع اصدقائك على أرض الواقع؟ تتحدث معهم، وتشاركهم اراءك وتبدي اعجابك أو غضبك أو مشاعرك بوجه عام عما يفعلون، لكن يا ترى كيف نفعل ذلك مع اصدقاء افتراضيين دون الاستخدام المفرط ﻷحد تلك التطبيقات إن لم يكن كلها ؟

المدخل الأخير: الفراغ

حديثي عن الفراغ هنا لا يتعارض مع المدخل الأول وذاك أن الفراغ ليس بالضرورة أن يكون فراغًا ماديا أو مرتبطًا بالوقت، فمن الممكن ان يكون فراغا عاطفيا، فراغًا فكريًا، بل وهو المدهش من الممكن أن تكون فارغًا بأكملك من الداخل. تمضي في حياتك سبهللًا، تحركك نزوات الحياة وليس بيدك حيلة أن تقف بحزم وتنظر في أمور دنياك، أن ترتب فوضاك، أو ان تنظم أفكارك.

انا لست هنا ﻷجعلك حزينًا أو ازيدك من التعاسة سطرًا وإنما هي كلمات إذا لمستك ربما تغيرك، خذ كلامي على انه مجرد كلام مرسل، اقتطف منه ما يعجبك، وارم منه في البحر ما يضايقك لكن بشرط أن يكون ضيقك هذا لسبب حقيقي ليس لمجرد الاختلاف.

أمعنى ذلك الكلام أن استخدام تلك المنصات سيء؟ هل استخدامها لا يعود بالنفع ولو بجزء بسيط؟ هل كل تلك الجمل تشكل هجوما غير مبررا على أدوات غرضها الترفيه ؟

أجب بنفسك.

انتهى المقال، لكن هل انتهى حديثنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تذكر قول الله : بسم الله الرحمن الرحيم : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ . سورة ق:18