إعادة تعريف السوشيال ميديا 1 - مدونة صلاح عبيد

إعادة تعريف السوشيال ميديا 1



السوشيال ميديا

حياةٌ بلا حياة وقتٌ بلا وقت، صوتٌ خافت يأتي من يمينك، ماذا تفعل ؟ لا شيء.

لحظة… لم اقصد انك لن تفعل أي شيء، الحقيقة ان يديك ستتحرك بشكل لا واعي للإمساك بهاتفك وتتفقد هذا الاشعار والتخلص من سبب كل هذة الحركة والاهتزاز.

يا تُرى إلى أين ستذهب عينيك بمجرد فتح تطبيق الفيسبوك؟ ذلك الشعاع البصري الموجّه بشكل مباشر إلى منطقة الإشعارات، أو ربما ناحية طلبات الصداقة، أو ربما -وهو الأسوأ- أن تدخل في دوامة التصفح اللا متناهي لصفحتك الرئيسية. تصطدم عيناك بمئات بل الاف الكلمات والصور الغير مترابطة المرتبة ترتيبًا دقيقًا يضمن بقائك على تلك المنصة. هل سمعت عن تلك الفتاة التي تم التحرش بها؟ ماذا عن الفتى الذي مات مقتولا اثر حادث مفجع؟ هيا بنا جميعا نحيي البطل الفلاني الذي ربح كأسًا غريبًا في رياضة غريبة.

ماذا عن الضحك والسخرية؟ هيا بنا نسخر ونضحك من أي شيء ومن كل شيء! هذا يذاكر؟ انعته باليهودي وانهل عليه بطوفان من الصور المضحكة، لحظة هل ذاك الطالب لا يذاكر؟ حسنًا فلنضحك أيضًا على خيبة أمله وتقصيره المستمر. ربحنا ضحكنا خسرنا ضحكنا فما الفارق إذًا؟

ما كل هذا السواد! فلنتحدث عن لقاحات تلك الجائحة التي ستودي بنا.. مهلا، هل هذا اللقاح عبارة عن مؤامرة كونية روسية ماثونية؟ يالهول الثقافة والأنفتاح.

لالا كل هذا لا يعجبني سأحاول الخروج واضغط على زر الرجوع، ماذا؟ زر الرجوع لا يخرج من ذلك الثقب الأسود؟ لا بل انه يعيدني إلى بداية الثقب ولكن مع منشوراتٍ جديدة! حقا رائع! هيا بنا نسكتشف من جديد ما يقوله هؤلاء الناس عن نظرية البطاطس.

أصبح البحث عن منشورات جديدة غايةً عظمى، فمع كل سحبةٍ لأسفل لرؤية أجدد المنشورات نشعر بسعادة مبكرة بحيث نظن أن هنالك منشور سيأتي لنا، نعم هذا مكتوب خصيصًا لنا أو ربما لا، فنسحب لأسفل مرة أخرى، ألا يذكرك ذلك بشيء؟ جهاز قمار تكون فيه أنت السلعة ومعلوماتك هي العملات المعدنية التي تضمن استمرار اللعب.

الحقيقة -ولي فيها حديثٌ اخر- تاهت وسط غبار الكذبات والشائعات، وهذا متوقع، فماذا تنتظر من مكان ينتشر فيه الخبر الزائف بسرعة أكبر ستة أضعاف من انتشار الحقيقة؟ أُبالغ؟ ابحث بنفسك وستجد أن معلوماتي صحيحة، أوه اعتذر! فقد نسيت أن قدرتك على البحث كادت أن تنعدم، فانا إن لم اعطيك المعلومة في فمك فلن تكلف خاطرك بالبحث، ربما لأنك تثق بي؟ أم ربما بدافع الكسل الناتج عن رغبتك في إكمال الحديث؟ حقيقي أتعجب أنك مستمر في القراءة حتي الآن، فمعظم المستخدمين-مع التحفظ على نعت مستخدم- عندما يرون منشورا طويلا يصيبهم الهلع ويهرعون إلى منشورٍ آخر ربما أقصر، ربما أطول لكن من شخص يحبونه، أو ربما الخروج وغلق الهاتف لتأدية بعض المهام المتأخرة والتي حان موعدها.

في معظم لغات هذا الكوكب الأزرق نسمي الأشياء والأشخاص بمسمياتهم وذلك إما لكونهم يحملون صفة ذاك الأسم، أو أملا بذلك. فمثلا نقول مقص لأنه يقص، نسمي الولد صالح ونرجو من الله أن يكون صالحًا في حياته فيما بعد، السماعة نسمع بها، والدواء يداوي، والكاتب يكتب وغيرهم.

نأتي عند وسائل التواصل الاجتماعي - أو ما يعرف بالسوشيال ميديا- ونتوقف. أهي فعلا للتواصل الاجتماعي؟ أم هي اداة لتحقيق الربح لصاحبها ونحن مجرد وسيط في عملية جني الأموال؟

الحقيقة أننا كجنس بشري حققنا مالا يمكن تحقيقه باستخدام تلك الوسائل، نعم نستطيع التواصل مع بعضنا في كل انحاء العالم، ونقدم يد العون لكل من يحتاجها سواء قريب أم غريب، ومنا من وجد شريك/ة عمره/ا عليها ومنا من وجد فرصة عمل، ومنا من وجد متبرعًا بالدم لصديقه المحموم والكثير والكثير من الفوائد التي لا حصر لها، لكن -وأخاف من تكرار كلمة لكن- أخبرني يا صديقي متى كانت اخر مرة تواصلت مع أحد أقربائك البعيدين وكنت أنت من بدأ الحوار؟ لا تجاوب هذا وقل لي متى شاركت منشورًا به نكتة أو اغنية أو صورة تظن انها ستعجب أقرانك على نفس الصفحة؟ دعني اتوقع، تقريبا منذ ثلاثة دقائق قبل الشروع في قراءة هذا المقال؟

هل -ولو مرة في عمرك- حذفت أحد صورك أو كتاباتك بسبب عدد الاعجابات والتفاعلات القليل عليها؟ هل قمت بتغيير ما كتبته أو نشرته بناءًا على رغبة المعلقين؟ هل شعرت يوما بالضيق والحزن اللحظي المفاجئ ولم تعلم السبب؟ هل تستيقظ من النوم وقبل أن ترى وجهك في مرآة الحمام تراه شاشة هاتفك أولا؟ وكأنه صباح الخير بلغة العصر.

وسائلٌ للتواصل اسمًا فقط، هكذا أصبحت ما عليه اليوم. فلنواجه الحقيقة، تطبيق مجاني يعمل على تشغيله الاف المهندسين والموظفين ويتم تخزين كل محتوياته في سيرفرات وأجهزة عملاقة تعمل على مدار الساعة، بالتأكيد ليست مؤسسة خيرية لتفعل كل هذا بالمجان بل إنها تتقاضى المليارات، ووسائل الربح كثيرة، والقاسم المشترك بينهم هو أنت، نعم انت وبقاؤك على تلك الشبكة أكبر وقت ممكن. فترى أقسام كاملة في تلك الشركات متخصصة لدراسة سلوكك وتحليل شخصيتك ومعرفة ما تحب وتكره، قد يصل بهم الأمر لمراقبتهم صوتك وصورتك مع كل منشور، ومعرفة هل اثّر على مشاعرك أم لا، العديد من العوامل قد تدخل في نفس الاطار كمعرفة كم من الوقت تقضي مع كل منشور وما نوعه، اتحب الصور أم مقاطع الفيديوهات أم تحب القراءة أكثر.

آلة. آلة لجني الأموال بغض النظر عن السبل المستخدمة، السؤال هنا: أمدرك أنت تلك الحقيقة وتتعامل معها كما هي ؟ أم انك مدمن متعصب تبحث عن يد العون؟!

انتهى المقال ولم ينتهي حديثنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تذكر قول الله : بسم الله الرحمن الرحيم : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ . سورة ق:18